منتديات شامي كو
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
منتديات شامي كو
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
منتديات شامي كو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Admin
صاحب الموقع
صاحب الموقع
Admin


الجنسية : تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Egypt10

الجنس : ذكر

مزاجى : تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Pi-ca-10

عدد المشاركات : 121

احترام قوانين المنتدى : 100%

الاوسمة : الادارة

السٌّمعَة : 1

العمر : 33

تاريخ التسجيل : 12/07/2011

الموقع : فى البيت


تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Empty
مُساهمةموضوع: تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله    تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Emptyالثلاثاء أغسطس 02, 2011 7:34 am

اخوتى واخواتى


حبيت اجبلكم

تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله



هذا هو عبارة تفسير عظيم وموجز ومختصر للقرآن الكريم كاملاً

المـؤلـف: عبدالرحمن بن ناصر السعدي


ونتمنى من العزيز الجليل ان يكون فيه الفائدة


عنوانه : (( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ))


ونبدا ان شاء الله عليه نستعين


المقدمة

تفسير الشيخ السعدي

رحمه الله وغفر له

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى أنزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال والحرام، والسعداء والأشقياء، والحق والباطل.

وجعله
برحمته هدىً للناس عموماً، وللمتقين خصوصاً، من ضلال الكفر والمعاصي،
والجهل، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم، وأنزله شفاء للصدور من أمراض
الشبهات والشهوات ويحصل به اليقين والعلم في المطالب العاليات، وشفاء
للأبدان من أمراضها وعللها وآلامها وسقمها. وأخبر أنه لا ريب فيه ولا شك
بوجه من الوجوه، وذلك لاشتماله على الحق العظيم، في أخباره، وأوامره،
ونواهيه، وأنزله مباركاً، فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار
البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة،
فسببها الاهتداء به واتباعه، وأخبر أنه مصدق ومهيمن على الكتب السابقة، فما
يشهد له فهو الحق، وما رده فهو المردود، لأنه تضمنها وزاد عليها، وقال
تعالى فيه(يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)، فهو هاد لدار السلام،
مبين لطريق الوصول إليها، وحاثٌّ عليها، كاشف عن الطريق الموصلة إلى
دارالآلام ومحذًُر منها، وقال تعالى مخبراً عنه: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت
من لدن حكيم خبير) فبين آياته أكمل تبيين وأتقنها أى إتقان، وفصلها بتبيين
الحق من الباطل والرشد من الضلال، تفصيلاً كاشفاً للبس، لكونه صادراً من
حكيم خبير، فلا يخبر إلا بالصدق والحق واليقين، ولا يأمر إلا بالعدل
والإحسان والبر، ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية.
وأقسم تعالى
بالقرآن ووصفه بأنه "مجيد" والمجد: سعةُ الأوصاف وعظمتها، وذلك لسعة معانى
القرآن وعظمتها، ووصفه بأنه "ذو الذكر" أى يتذكر به العلوم الإلهية
والأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة، ويتعظ به من يخشى.
وقال تعالى: (إنا
أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) فأنزله بهذا اللسان لنعقله ونتفهمه،
وأمرنا بتدبره، والتفكير فيه، والاستنباط لعلومه، وما ذاك إلا لأن تدبره
مفتاح لكل خير، محصل للعلوم والأسرار. فلله الحمد والشكر والثناء، الذى جعل
كتابه هدى وشفاء ورحمة ونوراً، وتبصرة وتذكرة، وبركة وهدى وبشرى للمسلمين.
فإذا علم هذا، علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه والإهتداء بها.
وكان حقيقاً بالعبد أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في تعلمه وتفهمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.
وقد
كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله، فمن مُطَوِّل خارج في أكثر
بحوثه عن المقصود، ومن مُقَصِّر يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية.
وكان
الذى ينبغى في ذلك، أن يجعل المعنى هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه، فينظر
في سياق الكلام، وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر، ويعرف
أنه سيق لهداية الخلق كلهم، عالمهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم، فالنظر لسياق
الآيات مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله، من
أعظم ما يعين على معرفته وفهم المراد منه، خصوصاً إذا انضم إلى ذلك معرفة
علوم العربية على اختلاف أنواعها فمن وفق لذلك لم يبق عليه إلا الإقبال على
تدبره وتفهمه وكثرة التفكير في ألفاظه ومعانيه ولوازمها، وما تتضمنه، وما
تدل عليه منطوقاً ومفهوماً، فإذا بذل وسعه في ذلك، فالرب أكرم من عبده،
فلابد أن يفتح عليه من علومه أموراً لا تدخل تحت كسبه.
ولما منَّ الباري
علىَّ وعلى إخوانى بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة [بنا]
أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسر، وما من به الله علينا، ليكون
تذكرة للمحصلين، وآلة للمستبصرين، ومعونة للسالكين ولأقيده خوفَ الضياع،
ولم يكن قصدى في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود ولم أشتغل في حل
الألفاظ والعقود، للمعنى الذى ذكرت، ولأن المفسرين قد كفوا مَنْ بعدهم،
فجزاهم الله عن المسلمين خيراً.
والله أرجوا، وعليه أعتمد، أن ييسر ما
قصدت، ويذلل ما أردت، فإنه إن لم ييسره الله، فلا سبيل إلى حصوله، وإن لم
يعن عليه، فلا طريق إلى نيل العبد مأموله.
وأسأله تعالى أن يجعله خالصاً
لوجهه الكريم، وأن ينفع به النفع العميم، إنه جواد كريم. اللهم صلِ على
محمد وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.


تفسير الجزء الأول

تفسير الفاتحة

وهي مكية

{
1 - 7 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ }

{ بِسْمِ اللَّهِ }
أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى, لأن لفظ { اسم } مفرد مضاف, فيعم جميع
الأسماء [الحسنى]. { اللَّهِ } هو المألوه المعبود, المستحق لإفراده
بالعبادة, لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال. { الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ } اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي
وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء
لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم فلهم نصيب منها.

واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها, الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات.

فيؤمنون
مثلا, بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم.
فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم:
إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء.

{
الْحَمْدُ لِلَّهِ } [هو] الثناء على الله بصفات الكمال, وبأفعاله الدائرة
بين الفضل والعدل, فله الحمد الكامل, بجميع الوجوه. { رَبِّ الْعَالَمِينَ
} الرب, هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم, وإعداده
لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يمكن لهم
البقاء. فما بهم من نعمة, فمنه تعالى.

وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.

فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا.

والخاصة:
تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم, ويدفع عنهم
الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه, وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير,
والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء
بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.

فدل قوله { رَبِّ الْعَالَمِينَ } على انفراده بالخلق والتدبير, والنعم, وكمال غناه, وتمام فقر العالمين إليه, بكل وجه واعتبار.

{
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } المالك: هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها
أنه يأمر وينهى, ويثيب ويعاقب, ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات,
وأضاف الملك ليوم الدين, وهو يوم القيامة, يوم يدان الناس فيه بأعمالهم,
خيرها وشرها, لأن في ذلك اليوم, يظهر للخلق تمام الظهور, كمال ملكه وعدله
وحكمته, وانقطاع أملاك الخلائق. حتى [إنه] يستوي في ذلك اليوم, الملوك
والرعايا والعبيد والأحرار.

كلهم مذعنون لعظمته, خاضعون لعزته,
منتظرون لمجازاته, راجون ثوابه, خائفون من عقابه, فلذلك خصه بالذكر, وإلا,
فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام.

وقوله { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } أي: نخصك وحدك بالعبادة

والاستعانة,
لأن تقديم المعمول يفيد الحصر, وهو إثبات الحكم للمذكور, ونفيه عما عداه.
فكأنه يقول: نعبدك, ولا نعبد غيرك, ونستعين بك, ولا نستعين بغيرك.

وقدم العبادة على الاستعانة, من باب تقديم العام على الخاص, واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبدهتفسير سورة البقرة
وهي مدنية

{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم
* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى
هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

تقدم
الكلام على البسملة. وأما الحروف المقطعة في أوائل السور, فالأسلم فيها,
السكوت عن التعرض لمعناها [من غير مستند شرعي], مع الجزم بأن الله تعالى لم
ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها.

وقوله { ذَلِكَ الْكِتَابُ } أي
هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل
عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم,

والحق المبين. فـ {
لَا رَيْبَ فِيهِ } ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه, يستلزم ضده,
إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك
والريب. وهذه قاعدة مفيدة, أن النفي المقصود به المدح, لا بد أن يكون
متضمنا لضدة, وهو الكمال, لأن النفي عدم, والعدم المحض, لا مدح فيه.

فلما
اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال: { هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ } والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به
الهداية إلى سلوك الطرق النافعة. وقال { هُدًى } وحذف المعمول, فلم يقل هدى
للمصلحة الفلانية, ولا للشيء الفلاني, لإرادة العموم, وأنه هدى لجميع
مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية, ومبين للحق
من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم,
في دنياهم وأخراهم.

وقال في موضع آخر: { هُدًى لِلنَّاسِ } فعمم.
وفي هذا الموضع وغيره { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } لأنه في نفسه هدى لجميع
الخلق.فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا. ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به
الحجة, ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر,
لحصول الهداية, وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه,
بامتثال أوامره, واجتناب النواهي, فاهتدوا به, وانتفعوا غاية الانتفاع. قال
تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ
لَكُمْ فُرْقَانًا } فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية, والآيات
الكونية.

ولأن الهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق.
فالمتقون حصلت لهم الهدايتان, وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية
البيان بدون توفيق للعمل بها, ليست هداية حقيقية [تامة].

ثم وصف
المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة, والأعمال الظاهرة, لتضمن التقوى لذلك
فقال: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } حقيقة الإيمان: هو التصديق
التام بما أخبرت به الرسل, المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان
بالأشياء المشاهدة بالحس, فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن
في الإيمان بالغيب, الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به, لخبر الله
وخبر رسوله. فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر, لأنه تصديق مجرد
لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء
شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. بخلاف
الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية, لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد
إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم, ومرجت أحلامهم. وزكت عقول
المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.

ويدخل في الإيمان بالغيب,
[الإيمان بـ] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة, وأحوال
الآخرة, وحقائق أوصاف الله وكيفيتها, [وما أخبرت به الرسل من ذلك] فيؤمنون
بصفات الله ووجودها, ويتيقنونها, وإن لم يفهموا كيفيتها.

ثم قال: {
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } لم يقل: يفعلون الصلاة, أو يأتون بالصلاة, لأنه
لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصلاة, إقامتها ظاهرا,
بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو
حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال
الله فيها: { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ }
وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته, إلا ما عقل منها،
ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.

ثم قال: { وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة, والنفقة
على الزوجات والأقارب, والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق
الخير. ولم يذكر المنفق عليهم, لكثرة أسبابه وتنوع أهله, ولأن النفقة من
حيث هي, قربة إلى الله، وأتى بـ " من " الدالة على التبعيض, لينبههم أنه لم
يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم, غير ضار لهم ولا مثقل, بل ينتفعون هم
بإنفاقه, وينتفع به إخوانهم.

وفي قوله: { رَزَقْنَاهُمْ } إشارة
إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم وملككم, وإنما هي
رزق الله الذي خولكم, وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من
عباده, فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسوا إخوانكم المعدمين.

وكثيرا
ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن, لأن الصلاة متضمنة للإخلاص
للمعبود, والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد
إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين
الأمرين منه, فلا إخلاص ولا إحسان.

ثم قال: { وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } وهو القرآن والسنة، قال تعالى: {
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } فالمتقون يؤمنون
بجميع ما جاء به الرسول, ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه, فيؤمنون ببعضه,
ولا يؤمنون ببعضه, إما بجحده أو تأويله, على غير مراد الله ورسوله, كما
يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة, الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف
قولهم, بما حاصله عدم التصديق بمعناها, وإن صدقوا بلفظها, فلم يؤمنوا بها
إيمانا حقيقيا.

وقوله: { وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } يشمل
الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت
عليه, خصوصا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع
الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم.

ثم قال: {
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } و " الآخرة " اسم لما يكون بعد الموت،
وخصه [بالذكر] بعد العموم, لأن الإيمان باليوم الآخر, أحد أركان الإيمان؛
ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و " اليقين " هو العلم التام
الذي ليس فيه أدنى شك, الموجب للعمل.

{ أُولَئِكَ } أي: الموصوفون
بتلك الصفات الحميدة { عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ } أي: على هدى عظيم, لأن
التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة
الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية [الحقيقية] إلا هدايتهم، وما
سواها [مما خالفها]، فهو ضلالة.

وأتى بـ " على " في هذا الموضع,
الدالة على الاستعلاء, وفي الضلالة يأتي بـ " في " كما في قوله: { وَإِنَّا
أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } لأن صاحب الهدى
مستعل بالهدى, مرتفع به, وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر.

ثم قال: {
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } والفلاح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من
المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم, وما
عدا تلك السبيل, فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى
الهلاك.

و { العبادة } اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من
الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة. و { الاستعانة } هي الاعتماد على الله
تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك.

والقيام
بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع
الشرور, فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما. وإنما تكون العبادة عبادة,
إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله.
فبهذين الأمرين تكون عبادة, وذكر { الاستعانة } بعد { العبادة } مع دخولها
فيها, لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن
لم يعنه الله, لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر, واجتناب النواهي.

ثم
قال تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } أي: دلنا وأرشدنا,
ووفقنا للصراط المستقيم, وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله, وإلى جنته,
وهو معرفة الحق والعمل به, فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية
إلى الصراط: لزوم دين الإسلام, وترك ما سواه من الأديان, والهداية في
الصراط, تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من
أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل
ركعة من صلاته, لضرورته إلى ذلك.

وهذا الصراط المستقيم هو: {
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين. { غَيْرِ } صراط { الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } الذين عرفوا الحق
وتركوه كاليهود ونحوهم. وغير صراط { الضَّالِّينَ } الذين تركوا الحق على
جهل وضلال, كالنصارى ونحوهم.

فهذه السورة على إيجازها, قد احتوت على
ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن, فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد
الربوبية يؤخذ من قوله: { رَبِّ الْعَالَمِينَ }

وتوحيد الإلهية
وهو إفراد الله بالعبادة, يؤخذ من لفظ: { اللَّهِ } ومن قوله: { إِيَّاكَ
نَعْبُدُ } وتوحيد الأسماء والصفات, وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى, التي
أثبتها لنفسه, وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه, وقد دل
على ذلك لفظ { الْحَمْدُ } كما تقدم. وتضمنت إثبات النبوة في قوله: {
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.

وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } وأن الجزاء يكون بالعدل, لأن الدين معناه الجزاء بالعدل.

وتضمنت
إثبات القدر, وأن العبد فاعل حقيقة, خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت
الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ } لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف
لذلك.

وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى, عبادة واستعانة في قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فالحمد لله رب العالمين


6
- 7 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ }

فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا, ذكر صفات
الكفار المظهرين لكفرهم، المعاندين للرسول فقال: { إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى
أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } يخبر تعالى أن الذين
كفروا, أي: اتصفوا بالكفر, وانصبغوا به, وصار وصفا لهم لازما, لا يردعهم
عنه رادع, ولا ينجع فيهم وعظ، إنهم مستمرون على كفرهم, فسواء عليهم
أأنذرتهم, أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به
الرسول, أو جحد بعضه، فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة,
وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم, وأنك لا تأس
عليهم, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.

ثم ذكر الموانع المانعة لهم من
الإيمان فقال: { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ }
أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان, ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما
ينفعهم, ولا يسمعون ما يفيدهم.

{ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }
أي: غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم, وهذه طرق العلم
والخير, قد سدت عليهم, فلا مطمع فيهم, ولا خير يرجى عندهم، وإنما منعوا
ذلك, وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين
لهم الحق, كما قال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ
كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وهذا عقاب عاجل.

ثم ذكر العقاب الآجل، فقال: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهو عذاب النار, وسخط الجبار المستمر الدائم.

ثم قال تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكفر فقال:

{
8 - 10 } { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير
وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي, والنفاق العملي،
كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " آية المنافق ثلات: إذا حدث
كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان " وفي رواية: " وإذا خاصم فجر "

وأما
النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام, فهو الذي وصف الله به
المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول
صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة, وبعد أن هاجر, فلما كانت وقعة "
بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم, فأظهر
بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة, ولتحقن دماؤهم, وتسلم أموالهم, فكانوا بين
أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم, وفي الحقيقة ليسوا منهم.

فمن
لطف الله بالمؤمنين, أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها, لئلا يغتر
بهم المؤمنون, ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم [قال تعالى]: { يَحْذَرُ
الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا
فِي قُلُوبِهِمْ } فوصفهم الله بأصل النفاق فقال: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ
بِمُؤْمِنِينَ } فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله
بقوله: { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } لأن الإيمان الحقيقي, ما تواطأ عليه
القلب واللسان, وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين.

والمخادعة:
أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا, ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن
يخادع، فهؤلاء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك, فعاد خداعهم
على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع, إما أن ينتج خداعه ويحصل له
ما يريد أو يسلم, لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم, وكأنهم يعملون
ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا
يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون, لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر
المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان, فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم,
وصار كيدهم في نحورهم, وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا, والحزن
المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة.

ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع, بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم, والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك.

وقوله:
{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات
والنفاق، لأن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات
الباطلة, ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع, كلها من
مرض الشبهات، والزنا, ومحبة [الفواحش و]المعاصي وفعلها, من مرض الشهوات ،
كما قال تعالى: { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } وهي شهوة
الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين, فحصل له اليقين والإيمان, والصبر
عن كل معصية, فرفل في أثواب العافية.

وفي قوله عن المنافقين: { فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } بيان لحكمته تعالى في
تقدير المعاصي على العاصين, وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي
اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ
وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وقال تعالى:
{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } وقال تعالى: { وَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ
} فعقوبة المعصية, المعصية بعدها, كما أن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها،
قال تعالى: { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى }


{
11 - 12 } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا
إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ }

أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد
في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي, ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم
وموالاتهم للكافرين { قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } فجمعوا بين
العمل بالفساد في الأرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا
للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل
بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه.

ولما
كان في قولهم: { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } حصر للإصلاح في جانبهم -
وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح - قلب الله عليهم دعواهم بقوله:
{ ألا إنهم هم المفسدون } فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله, وصد عن
سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, ووالى المحاربين لله ورسوله, وزعم مع ذلك
أن هذا إصلاح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟" ولكن لا يعلمون علما ينفعهم, وإن
كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله، وإنما كان العمل
بالمعاصي في الأرض إفسادا, لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب
والثمار والأشجار, والنبات, بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن
الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به, لهذا خلق الله الخلق,
وأسكنهم في الأرض, وأدر لهم الأرزاق, ليستعينوا بها على طاعته [وعبادته]،
فإذا عمل فيها بضده, كان سعيا فيها بالفساد فيها, وإخرابا لها عما خلقت له

{
13 } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا
أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ
وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ }

أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن
الناس, أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان,
قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله - الصحابة
رضي الله عنهم, بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان, وترك الأوطان, ومعاداة
الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك, فنسبوهم إلى السفه; وفي ضمنه أنهم هم
العقلاء أرباب الحجى والنهى.

فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم
السفهاء على الحقيقة, لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه, وسعيه فيما
يضرها, وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا, معرفة
الإنسان بمصالح نفسه, والسعي فيما ينفعه, و[في] دفع ما يضره، وهذه الصفة
منطبقة على [الصحابة و]المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان,
لا بالدعاوى المجردة, والأقوال الفارغة.


ثم قال تعالى: { 14 -
15 } { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا
إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ
مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في
قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين, أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم
معهم, فإذا خلوا إلى شياطينهم - أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا:
إنا معكم في الحقيقة, وإنما نحن مستهزءون بالمؤمنين بإظهارنا لهم, أنا على
طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة, ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

قال
تعالى: { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُونَ } وهذا جزاء لهم, على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن
زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة, حتى ظنوا أنهم مع
المؤمنين, لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة,
أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا, فإذا مشي المؤمنون بنورهم, طفئ نور
المنافقين, وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين, فما أعظم اليأس بعد الطمع، {
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ
فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ } الآية.

قوله:
{ وَيَمُدُّهُمْ } أي: يزيدهم { فِي طُغْيَانِهِمْ } أي: فجورهم وكفرهم، {
يَعْمَهُونَ } أي: حائرون مترددون, وهذا من استهزائه تعالى بهم.

ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم:


{ 16 } { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }

أولئك,
أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات { الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ
بِالْهُدَى } أي: رغبوا في الضلالة, رغبة المشتري بالسلعة, التي من رغبته
فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة. وهذا من أحسن الأمثلة, فإنه جعل الضلالة,
التي هي غاية الشر, كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن،
فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم, فبئس التجارة,
وبئس الصفقة صفقتهم

وإذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا,
فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة,
واختار الشقاء على السعادة, ورغب في سافل الأمور عن عاليها ؟" فما ربحت
تجارته, بل خسر فيها أعظم خسارة. { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ
هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }

وقوله: { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } تحقيق لضلالهم, وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء, فهذه أوصافهم القبيحة.

ثم ذكر مثلهم الكاشف لها غاية الكشف، فقال:

{
17 - 20 } { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا
أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي
ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ *
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ
الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ
أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ
عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ
وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

أي:
مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا، أي: كان في ظلمة
عظيمة, وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره, ولم تكن عنده معدة, بل هي
خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله, ونظر المحل الذي هو فيه, وما فيه من
المخاوف وأمنها, وانتفع بتلك النار, وقرت بها عينه, وظن أنه قادر عليها,
فبينما هو كذلك, إذ ذهب الله بنوره, فذهب عنه النور, وذهب معه السرور, وبقي
في الظلمة العظيمة والنار المحرقة, فذهب ما فيها من الإشراق, وبقي ما فيها
من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة
المطر, والظلمة الحاصلة بعد النور, فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء
المنافقون, استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين, ولم تكن صفة لهم, فانتفعوا
بها وحقنت بذلك دماؤهم, وسلمت أموالهم, وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا،
فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت, فسلبهم الانتفاع بذلك النور, وحصل
لهم كل هم وغم وعذاب, وحصل لهم ظلمة القبر, وظلمة الكفر, وظلمة النفاق,
وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها, وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار].

فلهذا
قال تعالى [عنهم]: { صُمٌّ } أي: عن سماع الخير، { بُكْمٌ } [أي]: عن
النطق به، { عُمْيٌ } عن رؤية الحق، { فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } لأنهم
تركوا الحق بعد أن عرفوه, فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل
وضلال, فإنه لا يعقل, وهو أقرب رجوعا منهم.

ثم قال تعالى: { أَوْ
كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من
السماء، وهو المطر الذي يصوب, أي: ينزل بكثرة، { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة
الليل, وظلمة السحاب, وظلمات المطر، { وَرَعْدٌ } وهو الصوت الذي يسمع من
السحاب، { وَبَرْقٌ } وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.

{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ } البرق في تلك الظلمات { مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي: وقفوا.

فهكذا
حال المنافقين, إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده, جعلوا
أصابعهم في آذانهم, وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده, فيروعهم وعيده
وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم, ويكرهونها كراهة صاحب
الصيب الذي يسمع الرعد, ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت, فهذا تمكن له
السلامة. وأما المنافقون فأنى لهم السلامة, وهو تعالى محيط بهم, قدرة وعلما
فلا يفوتونه ولا يعجزونه, بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها أتم
الجزاء.

ولما كانوا مبتلين بالصمم, والبكم, والعمى المعنوي, ومسدودة
عليهم طرق الإيمان، قال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ
بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي: الحسية, ففيه تحذير لهم وتخويف
بالعقوبة الدنيوية, ليحذروا, فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، { إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا
شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض.

وفي هذه الآية وما أشبهها,
رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى, لأن
أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله: { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ }


21 - 22 } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ
بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

هذا أمر عام لكل الناس, بأمر عام, وهو
العبادة الجامعة, لامتثال أوامر الله, واجتناب نواهيه, وتصديق خبره, فأمرهم
تعالى بما خلقهم له، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

ثم استدل على وجوب عبادته وحده, بأنه ربكم
الذي رباكم بأصناف النعم, فخلقكم بعد العدم, وخلق الذين من قبلكم, وأنعم
عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة, فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها,
وتنتفعون بالأبنية, والزراعة, والحراثة, والسلوك من محل إلى محل, وغير ذلك
من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم, وأودع فيها من المنافع
ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم, كالشمس, والقمر, والنجوم.

{ وَأَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } والسماء: [هو] كل ما علا فوقك فهو سماء, ولهذا
قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، {
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ } كالحبوب, والثمار, من نخيل, وفواكه,
[وزروع] وغيرها { رِزْقًا لَكُمْ } به ترتزقون, وتقوتون وتعيشون وتفكهون.

{
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } أي: نظراء وأشباها من المخلوقين,
فتعبدونهم كما تعبدون الله, وتحبونهم كما تحبون الله, وهم مثلكم, مخلوقون,
مرزوقون مدبرون, لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم
ولا يضرون، { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أن الله ليس له شريك, ولا نظير, لا
في الخلق, والرزق, والتدبير, ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع
علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب, وأسفه السفه.

وهذه الآية جمعت بين
الأمر بعبادة الله وحده, والنهي عن عبادة ما سواه, وبيان الدليل الباهر على
وجوب عبادته, وبطلان عبادة من سواه, وهو [ذكر] توحيد الربوبية, المتضمن
لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك
في ذلك, فكذلك فليكن إقراره بأن [الله] لا شريك له في العبادة, وهذا أوضح
دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك.

وقوله تعالى: {
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده,
اتقيتم بذلك سخطه وعذابه, لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون
المعنى: أنكم إذا عبدتم الله, صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى, وكلا
المعنيين صحيح, وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة, كان من المتقين،
ومن كان من المتقين, حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه. ثم قال تعالى:

{
23 - 24 } { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى
عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ
تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }

وهذا دليل عقلي على صدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به، فقال: { وإن كنتم } معشر
المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه, مما نزلنا
على عبدنا, هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه،
وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم,
لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله, وقلتم أنتم أنه
تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون, فأتوا بسورة من مثله,
واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم, فإن هذا أمر يسير عليكم،
خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة, والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم
بسورة من مثله, فهو كما زعمتم, وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية
العجز, ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل
معكم، فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به, فيتعين
عليكم اتباعه, واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة], أن
كانت وقودها الناس والحجارة, ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب, وهذه
النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله,
بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.

وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات
التحدي, وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى { قُلْ
لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ
هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }

وكيف يقدر المخلوق من تراب, أن يكون كلامه
ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام
ككلام الكامل, الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس
في الإمكان, ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع]
الكلام, إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء, ظهر له الفرق
العظيم.

وفي قوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } إلى آخره, دليل
على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف
الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في
طلب الحق.

وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه, فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له, لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه.

وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق, بل هو معرض غير مجتهد في طلبه, فهذا في الغالب أنه لا يوفق.

وفي
وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم, دليل على أن أعظم أوصافه صلى
الله عليه وسلم, قيامه بالعبودية, التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين
والآخرين.

كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: { سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } وفي مقام الإنزال، فقال: { تَبَارَكَ الَّذِي
نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ }

وفي قوله: { أُعِدَّتْ
لِلْكَافِرِينَ } ونحوها من الآيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن
الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا, أن الموحدين وإن
ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار, لأنه قال: { أُعِدَّتْ
لِلْكَافِرِينَ } فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها, لم تكن معدة
للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة.

وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه, وهو الكفر, وأنواع المعاصي على اختلافها.

{
25 } { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا
مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ
قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ
وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }



لما ذكر جزاء الكافرين, ذكر
جزاء المؤمنين, أهل الأعمال الصالحات, على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين
الترغيب والترهيب, ليكون العبد راغبا راهبا, خائفا راجيا فقال: {
وَبَشِّرِ } أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] { الَّذِينَ آمَنُوا }
بقلوبهم { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم, فصدقوا إيمانهم بأعمالهم
الصالحة.

ووصفت أعمال الخير بالصالحات, لأن بها تصلح أحوال العبد,
وأمور دينه ودنياه, وحياته الدنيوية والأخروية, ويزول بها عنه فساد
الأحوال, فيكون بذلك من الصالحين, الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته.

فبشرهم
{ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ } أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة, والثمار
الأنيقة, والظل المديد, [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها
داخلها, وينعم فيها ساكنها.

{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ }
أي: أنهار الماء, واللبن, والعسل, والخمر، يفجرونها كيف شاءوا, ويصرفونها
أين أرادوا, وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار.

{ كُلَّمَا
رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا
مِنْ قَبْلُ } أي: هذا من جنسه, وعلى وصفه, كلها متشابهة في الحسن واللذة،
ليس فيها ثمرة خاصة, وليس لهم وقت خال من اللذة, فهم دائما متلذذون بأكلها.

وقوله:
{ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قيل: متشابها في الاسم, مختلف الطعوم
وقيل: متشابها في اللون, مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا, في الحسن,
واللذة, والفكاهة, ولعل هذا الصحيح

ثم لما ذكر مسكنهم, وأقواتهم من
الطعام والشراب وفواكههم, ذكر أزواجهم, فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه, وأوضحه
فقال: { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } فلم يقل " مطهرة من العيب
الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق, مطهرات الخلق,
مطهرات اللسان, مطهرات الأبصار، فأخلاقهن, أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن
بالخلق الحسن, وحسن التبعل, والأدب القولي والفعلي, ومطهر خلقهن من الحيض
والنفاس والمني, والبول والغائط, والمخاط والبصاق, والرائحة الكريهة،
ومطهرات الخلق أيضا, بكمال الجمال, فليس فيهن عيب, ولا دمامة خلق, بل هن
خيرات حسان, مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن, وقاصرات
ألسنتهن عن كل كلام قبيح.

ففي هذه الآية الكريمة, ذكر المبشِّر
والمبشَّر, والمبشَّرُ به, والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو
الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون
العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب
الموصل لذلك, هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه
البشارة, إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة, على يد أفضل الخلق, بأفضل
الأسباب.

وفيه استحباب بشارة المؤمنين, وتنشيطهم على الأعمال بذكر
جزائها [وثمراتها], فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان,
توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى
عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا
منهم

{ 26 - 27 } { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ
مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا فَيَقُولُونَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shamy-ko.own0.com
إيمان
المدير العام
المدير العام
إيمان


الجنسية : تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Egypt10

الجنس : انثى

مزاجى : تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Pi-ca-21

عدد المشاركات : 36

احترام قوانين المنتدى : 100%

الاوسمة : فراشة المنتدى

السٌّمعَة : 2

العمر : 27

تاريخ التسجيل : 13/07/2011


تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله    تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله   Emptyالأربعاء أكتوبر 05, 2011 4:55 am

شكرااااااااا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير القران الكريم كلو والجزاء عن الله ان شاء الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من كان يعبد محمد فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت
» فوائد قصص القران
» آيات الشفاء في القرآن الكريم ,,,!!
» الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبويه
» الخوف من الله عز و جل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات شامي كو :: شامى كــــ ( المنتـــــــديات العـــــــامــــة )ـــــو ::   :: المنتدى الاسلامي-
انتقل الى: